فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال وجوابه:

فإن قيل: كيف كان له أن يمسك عن حق كتموه فلا يبينه؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنه كان متلقيًا ما يؤمر به، فإذا أُمِر باظهار شيءٍ من أمرهم، أظهره، وأخذهم به، وإِلا سكت.
والثاني: أن عقد الذّمة إِنما كان على أن يُقرّوا على دينهم، فلما كتموا كثيرًا مما أُمروا به، واتخذوا غيره دينًا، أظهر عليهم ما كتموه مِن صفته وعلامة نبوته، لتتحقّق معجزته عندهم، واحتكموا إِليه في الرجم، فأظهر ما كتموا مما يوافق شريعته، وسكت عن أشياء ليتحقق إِقرارهم على دينهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {يُبَيِّنُ} في محلِّ نصبٍ على الحال من {رسولنا} أي: جاءكم رسولنا في هذه الحالة. و{ممَّا} يتعلق بمحذوف لأنه صفة ل {كثيرًا} و{ما} موصولةٌ اسميةٌ، و{تُخْفون} صلتُها والعائد محذوف أي: من الذين كنتم تخفونه. و{من الكتاب} متعلق بمحذوف على أنه حالٌ من العائد المحذوف. وقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ} لا محلِّ له لاستئنافِه، والضميرُ في {يبيِّن} و{يَعْفُو} يعود على الرسول، وقد جَوِّز قوم أَنْ يعودَ على الله تعالى، وعلى هذا فلا محلِّ لقوله: {يبيِّن} من الإِعراب. ويمتنع أن يكونَ حالًا من {رسولنا} لعدمِ الرابط، وصفة {كثير} محذوفةٌ للعلم بها تقديرُه: عن كثير من ذنوبكم، وحَذْفُ الصفة قليل. وقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ الله} لا محلَّ لها من الإِعراب لاستئنافها، و{من الله} يجوز أَنْ يتعلَّق ب «جاء» وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حال من {نور} قُدِّمَتْ صفةُ النكرة عليها فنُصِبَتْ حالا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (16):

قوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت هدايته مشروطة بشرط صلاح الجبلة، بين ذلك بقوله واصفًا له: {يهدي به} أي الكتاب {الله} أي الملك الأعظم القادر على التصرف في البواطن والظواهر {من اتبع} أي كلف نفسه وأجهدها في الخلاص من أسر الهوى بأن تبع {رضوانه} أي غاية ما يرضيه من الإيمان والعمل الصالح، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا بتوفيقه، ثم ذكر مفعول {يهدي} فقال: {سبل} أي طرق {السلام} أي الله، باتباع شرائع دينه والعافية والسلامة من كل مكروه {ويخرجهم من الظلمات} أي كدورات النفوس والأهواء والوساس الشيطانية {إلى النور} أي الذي دعا إليه العقل فيصيروا عاملين بأحسن الأعمال كما يقتضيه اختيار من هو في النور {بإذنه} أي بتمكينه.
ولما كان من في النور قد يغيب عنه غرضه الأعظم فلا ينظره لغيبته عنه ببعده منه، وتكثر عليه الأسباب فلا يدري أيها الوصف أو يقرب إيصاله ويسهل أمره، قال كافلًا لهم بالنور مريحًا من تعب السير: {ويهديهم} أي بما له من إحاطة العلم والقدرة {إلى صراط مستقيم} أي طريق موصل إلى الغرض من غير عوج أصلًا، وهو الدين الحق، وذلك مقتض للتقرب المستلزم لسرعة الوصول. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَهْدِى بِهِ الله} أي بالكتاب المبين {مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ} من كان مطلوبه من طلب الدين اتباع الدين الذي يرتضيه الله تعالى، فأما من كان مطلوبه من دينه تقرير ما ألفه ونشأ عليه وأخذه من أسلافه مع ترك النظر والاستدلال، فمن كان كذلك فهو غير متبع رضوان الله تعالى.
ثم قال تعالى: {سُبُلَ السلام} أي طرق السلامة، ويجوز أن يكون على حذف المضاف، أي سبل دار السلام، ونظيره قوله: {والذين قُتِلُواْ في سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أعمالهم سَيَهْدِيهِمْ} [محمد: 4، 5] ومعلوم أنه ليس المراد هداية الإسلام، بل الهداية إلى طريق الجنة.
ثم قال: {وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ} أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وذلك أن الكفر يتحير فيه صاحبه كما يتحير في الظلام، ويهتدي بالإيمان إلى طرق الجنة كما يهتدي بالنور، وقوله: {بِإِذْنِهِ} أي بتوفيقه، والباء تتعلق بالاتباع أي اتبع رضوانه بإذنه، ولا يجوز أن تتعلق بالهداية ولا بالإخراج لأنه لا معنى له، فدل ذلك على أنه لا يتبع رضوان الله إلاّ من أراد الله منه ذلك.
وقوله تعالى: {وَيَهْدِيهِمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو الدين الحق، لأن الحق واحد لذاته، ومتفق من جميع جهاته، وأما الباطل ففيه كثرة، وكلها معوجة. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَهْدِى بِهِ الله} توحيد الضمير لاتحاد المرجع بالذات، أو لكونهما في حكم الواحد، أو لكون المراد يهدي بما ذكر، وتقديم المجرور للاهتمام نظرًا إلى المقام وإظهار الاسم الجليل لإظهار كمال الاعتناء بأمر الهداية، ومحل الجملة الرفع على أنها صفة ثانية لكتاب، أو النصب على الحالية منه لتخصيصه بالصفة.
جوز أبو البقاء أن تكون حالًا من {رَسُولِنَا} بدلًا من {يُبِينُ} [المائدة: 15] وأن تكون حالًا من الضمير في {يُبِينُ}، وأن تكون حالًا من الضمير في {مُّبِينٌ}، وأن تكون صفة لنور {مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ} أي من علم الله تعالى أنه يريد اتباع رضا الله تعالى بالإيمان به، و{مِنْ} موصولة أو موصوفة {سُبُلَ السلام} أي طرق السلامة من كل مخافة قاله الزجاج فالسلام مصدر بمعنى السلامة.
وعن الحسن والسدي أنه اسمه تعالى، ووضع المظهر موضع المضمر ردًا على اليهود والنصارى الواصفين له سبحانه بالنقائص تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا، والمراد حينئذٍ بسبله تعالى شرائعه سبحانه التي شرعها لعباده عز وجل، ونصبها قيل: على أنها مفعول ثان ليهدي على إسقاط حرف الجر نحو {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155].
وقيل: إنها بدل من رضوان بدل كل من كل، أو بعض من كل أو اشتمال، والرضوان بكسر الراء وضمها لغتان، وقد قرئ بهما، والسبل بضم الباء والتسكين لغة، وقد قرئ به.
{وَيُخْرِجُهُمْ} الضمير المنصوب عائد إلى {مِنْ} والجمع باعتبار المعنى كما أن إفراد الضمير المرفوع في {أَتَّبِعُ} باعتبار اللفظ.
{مِنَ الظلمات إِلَى النور} أي من فنون الكفر والضلال إلى الإيمان {بِإِذْنِهِ} أي بإرادته أو بتوفيقه.
{وَيَهْدِيهِمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو دين الإسلام الموصل إلى الله تعالى كما قال الحسن وفي «إرشاد العقل السليم»: «وهذه الهداية عين الهداية إلى {سُبُلَ السلام} وإنما عطفت عليها تنزيلًا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}» [هود: 58].
وقال الجبائي: المراد بالصراط المستقيم طريق الجنة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وضمير {به} راجع إلى الرسول أو إلى الكتاب المبين.
وسُبلُ السلام: طرق السلامة الّتي لا خوف على السائر فيها.
وللعرب طرق معروفة بالأمن وطرق معروفة بالمخافة، مثل وادي السباع، الذي قال فيه سُحيم بن وثيل الرياحي:
ومررتُ على وادي السباع ولا أرى ** كوادِي السباع حين يُظلِم وادِيا

أقَلّ به ركبٌ أتوهَ تَئِيَّةً ** وأخوفَ إلاّ ما وقى اللّهُ ساريا

فسبيل السلام استعارة لطرق الحقّ.
والظلماتُ والنّور استعارة للضلال والهدى.
والصراط المستقيم مستعار للإيمان. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {يَهْدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النَّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
أنوار التوحيد ظاهرة لكنها لا تغني عند فقد البصيرة، فمن استخلصه بقديم العناية أخرجه من ظلمات التفرقة إلى ساحات الجمع فامتحى عن سِرِّه شواهد الأغيار، وذلك نعت كل من وقف على الحجة المثلى. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)}.
ومادام الله هو الذي يهدي فسبحانه منزه عن الأهواء المتعلقة بهم، وهكذا نضمن أن الإسلام ليس له هوى. لأن آفة من يشرع أن يذكر نفسه أو ما يحب في ما يشرع، فالمشرع يُشترط فيه ألا ينتفع بما يشرع، ولا يوجد هذا الوصف إلا في الله لأنه يشرع للجميع وهو فوق الجميع.
{قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ} إنَّ من اتبع رضوانه يهديه الله لسبل السلام، إذن ففيه رضوان متبع، وفيه سبل سلام كمكافأة. وهل السلام طرق وسبل؟. نعم؛ لأن هناك سلام نفس مع نفسها، وهناك سلام نفس مع أسرتها، هناك سلام نفس مع جماعتها، هناك سلا نفس مع أمتها وهناك سلام نفس مع العالم، وسلام نفس مع الكون كله، وهناك سلام نفس مع الله، كل هذا يجمع السلام. إذن فسُبل السلام متعددة، والسلام مع الله بأن تنزه ربك أيها العبد فلا تعبد معه إلهًا آخر، ولا تلصق به أحدا آخر.. أي لا تشرك به شيئا، أو لا تقل: لايوجد إله.
ولذلك نجد الإسلام جاء بالوسط حتى في العقيدة؛ جاء بين ناس تقول: لا يوجد إله، وهذا نفي؛ وناس تقول: آلهة متعدة؛ الشَّر له إله، والخير له إله، والظلمة لها إله، والنور له إله، والهواء له إله، والأرض لها إله!!
إن الذين قالوا بالآلهة المتعددة: استندوا على الحس المادي ونسي كل منهم أن الإنسان مكون من مادة وروح، وحين تخرج الروح يصبح الجثمان رمّة؛ ولم يسأل أحدهم: نفسه ويقول: أين روحك التي تدير نفسك وجسمك كله هل تراها؟، وأين هي؟. أهي في أنفك أم في أذنك أو في بطنك أين هي؟، وما شكلها؟. وما لونها؟. وما طعمها؟. أنت لم تدركها وهي موجودة. إذن فمخلوق لله فيك لا تدركه فهل في إمكانك أن تدرك خالقه؟. إن هذا هو الضلال. فلو أُدْرِك إِلهٌ لما صار إلهًا؛ لأنك إن أدركت شيئًا قدرت على تحديده ببصرك، ومادام قد قدرت على تحديده يكون بصرك قد قدر عليه، ولا ينقلب القادر الأعلى مقدورًا للأدنى أبدًا.
وحينما أراد الله أن يذلل على هذه الحكاية قال: {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21].
انظر في نفسك تجد روحك التي تدير جسدك لا تراها ولا تسمعها ومع ذلك فهي موجودة فيك، فإن تخلت عنك صرت رمة وجيفة، فمخلوق لله فيك لا تقدر أن تدركه، أبعد ذلك تريد أن تدرك مَنْ خَلَقَ؟ إن هذا كلام ليس له طعم! والاتجاه الآخر يقول بآلهة متعددة؛ لأن هذالكون واسع، وكل شيء فيه يحتاج إلى إله بمفرده، فيأتي الإسلام بالأمر الحق ويقول: هناك إله واحد؛ لأنه إن كان هناك آلهة متعددة كما تقولون، فيكون هناك مثلا.